كيف يساعدك التخلي عمَّا هو غير ضروري في التفرغ للقيام بما هو ضروري؟

غيَّرت منزلي عشرات المرات خلال السنوات الثلاثة الماضية، ولم أكن أختلف عن باقي الناس من ناحية عدِّ تغيير السكن حدث مرهق، إلا أنَّني تعلَّمت كيف أحب هذا التغيير لسبب واحد هو أنَّه أجبرني على إعادة التفكير فيما تعنيه ممتلكاتي بالنسبة إلي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، يتحدَّث فيه عن أهمية تعلُّم فن التخلي من أجل عيش حياة أكثر سعادة.

سببان للتخلص من الأشياء غير الضرورية:

يجعل وجود أشياء كثيرة في المنزل من تغيير السكن أمراً صعباً، وأنا أرغب في أن يكون الأمر سهلاً، فعندما انتقلت من هولندا (Netherland) إلى  لندن (london) في عام 2014 كانت أول مرة أخصص فيها الوقت لأتخلص من كلِّ شيء أملكه تقريباً، وقد تخلصت من هذه الأشياء لأسباب عملية فقط، وبشكل خاص لسببين:

  1. لا أستطيع أخذ كلِّ شيء أملكه معي إلى مكان إقامتي الجديدة.
  2. أنَّني أملك أشياء كثيرة لا أستخدمها.

إذاً الأمر واضح، فهو لا يتعلق بحاجتك إلى الأشياء، لا أحد يحتاج إلى 10 أزواج من الأحذية، ولا إلى قهوة، وأحياناً لا نحتاج حتى إلى بعض أجهزتنا الإلكترونية.

إذا أردت القليل امتلكت القليل:

فيما يتعلق بهذا الموضوع فأنا لست مثالياً، منذ فترة اشتريت حذاءً رياضياً من ماركة "جوردان 11 سبيس جيم" ( Jordan 11 Space Jam)، وقد كان إصدار الذكرى العشرين لإنتاج هذا الحذاء الذي أُنتج أول مرة في عام 1996، وقد أردت هذا الحذاء بشدة، في الواقع كلُّ شخص في فريق كرة السلة خاصتي أبدى إعجابه بهذا الحذاء؛ لكنَّني بسبب قلَّة المال لم أتمكن من شرائه، لكن عندما قررت شركة "نايكي" (Nike) إعادة إصدار الحذاء عام 2016 قلت لنفسي لقد حان الوقت كي أشتريه.

الأمر عاطفي ليس إلا، فقد كنت أستطيع أن أقنع نفسي بعدم الحاجة إلى هذا الحذاء، وأنَّه باهظ الثمن جداً، وربما لن أرتديه أبداً.

كلُّ ما ذكرته صحيح، وقد ارتديت هذا الحذاء في ثلاث مناسبات فقط، والحقيقة أنَّني أمضيت وقتاً في النظر إلى الحذاء أكثر من الوقت الذي أمضيته في استخدامه، حتى أنَّني وضعت الصندوق الخاص به في مكتبي، فهل هذا يجعلني مستهلكاً طائشاً؟ بالطبع، لكن الأمر يتعدى ذلك، فهذا الحذاء يقدِّم قصة.

تدور القصة عن صبي صغير أراد شيئاً؛ لكنَّه لم يستطع الحصول عليه؛ لأنَّه لم يملك المال، وعندما وصل إلى سن الرشد وبدأ بجني المال بنفسه قرر أنَّه سيشتري هذا الشيء لأنَّه أصبح قادراً على ذلك، وأحياناً لا يوجد سبب آخر لذلك؛ لكنَّني لا أملك كثيراً من الرغبات المشابهة لرغبتي بشراء هذا الحذاء؛ فالموضوع لا يتعلق بما تملكه؛ بل بما تريده.

فإذا أردت القليل امتلكت القليل، وهذا ما عبَّر عنه الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس (Epictetus) عندما قال: "لا  تتمثل الثروة في امتلاك الكثير؛ بل بالرغبة في القليل".

شاهد بالفيديو: كيف تغير حياتك؟

تخلَّ عن الأشياء:

مع مرور الوقت أصبحت معتاداً أكثر من ذي قبل على التخلي عن الأشياء، الذكريات والأحلام والأهداف والناس أيضاً، وأعتقد أنَّ التخلي عن الأشياء هو جزء طبيعي من الحياة لأنَّه ما من شيء يبقى للأبد.

يجب أن تعتاد على ذلك، عندما توفيت جدتي منذ عامين، فوجئت برد فعل جدي الهادئ، وسألته: "ألست مستاءً؟"، أجابني أنَّه حزين؛ لكنَّه أضاف أنَّك بينما تتقدم في العمر، فأنت مضطر إلى توديع أشخاص لطالما أحببتهم.

هذا أمر لا يروق للجميع؛ لكنَّها الحياة، وعلى الرَّغم من غرابتها، إلا أنَّك تعتاد عليها؛ الحياة تستمر، وهذا هو الواقع؛ لكنَّنا لا نقبل هذا الواقع بسهولة؛ إذ يتعلَّم معظمنا تدريجياً أنَّه مهما حدث فإنَّك يجب أن تتابع تقدُّمك، لكن تستطيع أن تدرِّب نفسك على التخلي عن الأشياء.

أسهل طريقة للقيام بذلك هي من خلال التخلص من ممتلكاتك المادية، خاصةً إذا ما علمنا أنَّ الإنسان يتعلق بالمقتنيات مثلما يتعلق بالأشخاص.

لكن في الحياة ليس لدينا ممتلكات، لقد قرأت منذ فترة في موقع "غود ريدز" (Goodreads) اقتباساً للكاتبة ديبورا أليس (Deborah Ellis)، وهي كاتبة متخصصة بسرد قصص الأطفال في البلدان النامية، تقول فيه: "لا يمتلك أيُّ شخص منا أيَّ شيء في الواقع، فحتى أجسادنا تعود إلى التراب عندما نموت؛ لكنَّنا نملك أفكارنا، وكلُّ ما سواها هو هبة مؤقتة نستخدمها لفترة؛ ومن ثمَّ نعيدها".

هذا لا يعني أنَّنا يجب ألا تقتني الأشياء؛ فهذا طلب غير واقعي وأمر يؤدي إلى الملل، ولم يقل أحد إنَّه يجب عليك ألا تقتني أكثر من زوج من الأحذية؛ فمعظم أصدقائي لديهم أطفال، وأحدهم كتب هذه العبارة بعد أن قرأ القليل عن مفهوم التقنين: "فكرة امتلاك أشياء عديدة تبدو جميلة؛ لكنَّها ليست نافعة عندما تكون متزوجاً ولديك طفلان".

لكنَّ بعضهم مشغولون بالتفكير في مقتنياتهم طوال اليوم، وأعتقد أنَّ التفكير فيما نملكه هو مضيعة للوقت، والهاجس لدى معظمنا هو ما إذا كان يجب أن يشتروا هذا الشيء أو ذاك، وفيما إذا كانوا بحاجة إلى هذا أو ذاك.

يستغرق هذا الكثير من الطاقة الذهنية، وبدلاً من ذلك أفضِّل القيام بعملي، وقضاء الوقت مع أصدقائي وعائلتي، أو ممارسة التمرينات الرياضية، فأنا لا أريد أن أصبح مدمناً على التفكير في ممتلكاتي، وعندما أرى شيئاً يعجبني بشدة أقوم بشرائه، إلا أنَّ هذا لا يحدث إلا نادراً، وهذه الاستراتيجية ناجحة جداً، لكنَّ الأمر الرائع أنَّني لست مضطراً إلى المبالغة في التفكير في أيِّ شيء.

3 نصائح للتخلص من الأشياء التي لا تحتاج إليها في الحياة:

  1. تجنَّب الاقتراض من أجل شراء أيِّ شيء.
  2. عش في مستوىً أدنى من إمكاناتك.
  3. تخلَّص من الأشياء عندما تشغل مساحة أنت بحاجة إليها.

في الأسبوع الماضي تبرعت بصندوق من الملابس والأحذية لجميعة خيرية، كما أعطيت مجموعة من الأدوات الإلكترونية لمصنع يقوم بإعادة تدوير هذه المواد، وتخلَّصت من معظم الأشياء غير المفيدة، والتي لا أستخدمها من خلال رميها في القمامة.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب توضِّح أنَّ تقليل المقتنيات أهم من تنظيمها

في الواقع يبعث هذا التصرف شعوراً جيداً، فإذا لم أستخدم الشيء منذ مدة طويلة أقوم ببساطة بالتخلص منه، لكن تنظيف حياتك يعني أكثر من مجرد التخلص من الأشياء التي لا تحتاج إليها، إنَّه يتعلق بتحرير المزيد من المساحة في عقلك؛ مساحة ذات قيمة يمكنك استخدامها لإنجاز أشياء ذات مغزى؛ أشياء كنت تؤجل القيام بها باستمرار.

إقرأ أيضاً: أهم 7 أولويات في الحياة وطرق تحقيقها

في الختام:

إنَّ التخلي هو تدريب على التعامل معاملة أفضل مع الخسارة؛ وذلك من خلال تذكير أنفسنا بأنَّ كلَّ شيء لدينا هو على سبيل الهبة ولا نملكه حقاً؛ لذلك تخلَّص من كلِّ شيء لست بحاجة إليه في منزلك، وفي حياتك وتذكَّر أنَّك لم تخسره، فأنت لم تملكه من البداية.




مقالات مرتبطة